سورة فصلت - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فصلت)


        


قوله تعالى: {ويومَ يُحْشَرُ أعداء الله} وقرأ نافع: {نَحْشُرُ} بالنون {أعداءً} بالنصب.
قوله تعالى: {فهم يُوزَعونَ} أي: يُحْبَس أوَّلهم على آخرِهم ليتلاحقوا.
{حتَّى إذا ما جاؤوها} يعني النار التي حُشروا إليها {شَهِدَ عليهم سمعُهم وأبصارُهم وجلودُهم}، وفي المراد بالجلود ثلاثة أقوال:
أحدها: الأيدي والأرجل.
والثاني: الفروج، رويا عن ابن عباس.
والثالث: أنه الجلود نفسها، حكاه الماوردي. وقد أخرج مسلم في أفراده من حديث أنس بن مالك قال: «كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: هل تدرون مِمَّ أضحك؟ قال: قلنا: اللهُ ورسولهُ أعلم. قال: من مخاطبة العبد ربَّه، يقول: يارب ألم تُجِرْني من الظُّلْم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: لا أُجيزُ عليَّ إلا شاهداً منِّي، قال: فيقول: كفى بنفْسك اليومَ عليكَ شهيداٍ، وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيُخْتَمُ على فِيه، فيقال لأركانه: انْطِقي، قال: فتَنْطقُ بأعماله، قال: ثُمَّ يُخَلَّى بينَه وبينَ الكلام، فيقول: بُعْداً لَكُنَّ وسُحْقاً، فعنكُنَّ كنتُ أًناضِل».
قوله تعالى: {قالوا أنطَقَنا اللهُ الذي أنطَق كُلَّ شيءٍ} أي: ممّا نطق. وهاهنا تم الكلام. وما بعده ليس من جواب الجلود.
قوله تعالى: {وما كنتم تَستترون أن يَشهد عليكم سمْعُكم ولا أبصارُكم} روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: «كنتُ مستتراً بأستار الكعبة، فجاء ثلاثة نفرٍ، قرشيٌّ وخَتْناه ثقفيَّان، أو ثقفيٌّ وختَنْاه قرشيّان، كثيرٌ شّحْمُ بُطونهم، قليلٌ فِقْهُ قُلوبهم، فتكلَّموا بكلام لم أسمعه، فقال أحدهم: أتُرَوْنَ اللهَ يَسْمَعُ كلامَنا هذا؟ فقال الآخران: إنّا إذا رفعنا أصواتنا سَمِعَه، وإن لم نَرفع لم يَسمع، وقال الآخر: إن سمع منه شيئاً سمعه كُلَّه، فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {وما كنتم تَستترون أن يشهد عليكم سمعكم...} إلى قوله: {من الخاسرين}» ومعنى {تستترون}: تَسْتَخْفون {أن يَشهد} أي: من أن يشهد {عليكم سَمْعُكم} لأنكم لا تَقدرون على الاستخفاء من جوارحكم، ولا تظُنُّون أنها تَشهد {ولكن ظَنَنْتم أنَّ الله لا يَعلم كثيراً مما تَعملون} قال ابن عباس: كان الكفار يقولون: إن الله لا يَعلم ما في أنفُسنا، ولكنه يعلم ما يَظهر، {وذلكم ظنُّكم} أي: أن الله لا يَعلم ما تعملون، {أرداكم} أهلككم.
{فإن يَصْبِروا} أي: على النّار، فهي مسكنهم، {وإن يَسْتَعْتِبوا} أي: يَسألوا أن يُرجَع لهم إلى ما يحبُّون، لم يُرْجَع لهم، لأنهم لا يستحقُّون ذلك. يقال: أعتبني فلان، أي: أرضاني بعد إسخاطه إيّاي. واستعتبتُه، أي: طلبتُ منه أن يُعْتِب، أي: يَرضى.
قوله تعالى: {وقيَّضْنا لهم قُرنَاءَ} أي: سبَّبنا لهم قرناء من الشياطين {فزيَّنوا لهم ما بين أيديهم وما خَلْفَهم} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ما بين أيديهم: من أمر الآخرة أنه لا جنَّة ولا نار ولا بعث ولا حساب، وما خَلْفَهم: من أمر الدنيا، فزيَّنوا لهم اللذّات وجمع الأموال وترك الإنفاق في الخير.
والثاني: ما بين أيديهم: من أمر الدنيا، وما خلفهم: من أمر الآخرة، على عكس الأول.
والثالث: ما بين أيديهم: ما فعلوه، وما خلفهم: ما عزموا على فعله. وباقي الآية قد تقدم تفسيره [الإسراء: 16] [الأعراف: 38].


قوله تعالى: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن} أي: لا تسمعوه {والْغَوْا فيه} أي: عارِضوه باللَّغو، وهو الكلام الخالي عن فائدة. وكان الكفَّار يوصي بعضُهم بعضاً: إذا سمعتم القرآن من محمد وأصحابه فارفعوا أصواتكم حتى تُلبِّسوا عليهم قولهم. وقال مجاهد: والغَوْا فيه بالمكاء والصفير والتخليط من القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ {لعلَّكم تَغْلِبون} فيسكُتون.
قوله تعالى: {ذلكَ جزاءُ أعداءِ الله} يعني العذاب المذكور. وقوله: {النارُ} بدل من الجزاء {لهم فيها دارُ الخُلْد} أي: دار الإقامة. قال الزجاج: النار هي الدّار، ولكنه كما تقول: لك في هذه الدّار دار السُّرور، وأنت تعني الدّار بعينها، قال الشاعر:
أخور رغائبَ يُعطيها ويسألها *** يأبى الظُّلامَةَ منه النَّوْفَلُ الزُّفَرُ


قوله تعالى: {وقال الذين كفروا} لمّا دخلوا النار {ربَّنا أَرِنا اللَّذَينِ أضلاَّنا} وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {أَرْنا} بسكون الراء. قال المفسرون: يعنون إبليس وقابيل، لأنهما سنّا المعصية، {نجعلْهما تحتَ أقدامنا ليكونا من الأسفلين} أي: في الدَّرْك الأسفل، وهو أشدُّ عذاباً من غيره.
ثم ذكر المؤمنين فقال: {إِنَّ الذين قالوا ربُّنا اللهُ} أي: وحَّدوه {ثم استقاموا} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: استقاموا على التوحيد، قاله أبو بكر الصِّدِّيق، ومجاهد.
والثاني: على طاعة الله وأداء فرائضه، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة.
والثالث: على الإِخلاص والعمل إِلى الموت، قاله أبو العالية، والسدي، وروى عطاء عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصِّدِّيق، وذلك أن المشركين قالوا: ربُّنا الله، والملائكة بناتُه، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله، فلم يستقيموا، وقالت اليهود: ربُّنا الله، وعزيرٌ ابنُه، ومحمد ليس بنبيّ، فلم يستقيموا، وقالت النصارى: ربُّنا الله، والمسيح ابنه، ومحمد ليس بنبيّ، فلم يستقيموا، وقال أبو بكر: ربنا الله وحده، ومحمدٌ عبدُه ورسولُه، فاستقام.
قوله تعالى: {تتنزَّل عليهم الملائكةُ ألاّ تَخافوا} أي: بأن لا تخافوا. وفي وقت نزولها عليهم قولان:
أحدهما: عند الموت، قاله ابن عباس، ومجاهد؛ فعلى هذا في معنى {لا تخافوا} قولان:
أحدهما: لا تخافوا الموت، ولا تحزنوا على أولادكم، قاله مجاهد.
والثاني: لا تخافوا ما أمَامكم، ولا تحزنوا على ما خَلْفكم، قاله عكرمة، والسدي.
والقول الثاني: تتنزَّل عليهم إذا قاموا من القبور، قاله قتادة؛ فيكون معنى {لا تخافوا}: أنهم يبشِّرونهم بزوال الخوف والحزن يوم القيامة.
قوله تعالى: {نحن أولياؤكم} قال المفسرون: هذا قول الملائكة لهم، والمعنى: نحن الذين كنّا نتوّلاكم في الدُّنيا، لأن الملائكة تتولَّى المؤمنين وتحبُّهم لِما ترى من أعمالهم المرفوعة إلى السماء، {وفي الآخرة} أي: ونحن معكم في الآخرة لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة. وقال السدي: هم الحَفظة على ابن آدم، فلذلك قالوا: {نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة}؛ وقيل: هم الملائكة الذين يأتون لقبض الأرواح.
قوله تعالى: {ولكم فيها} أي: في الجنة.
{نُزُلاً} قال الزجاج: معناه: أبشروا بالجنة تنزلونها نُزُلاً. وقال الأخفش: لكم فيها ما تشتهي أنفسُكم أنزلناه نُزُلاً.

1 | 2 | 3 | 4 | 5